الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن و الاه.. أما بعد:
أختاه: أبث إليك بين قضبان حروفي ذكرى .. وأنسخ من ظلال القرآن ومعين السنة وعظا تكسبين به الأجر.. فاسمعي يا أختاه..
فما الحياة الدنيا بباقية.. وما الأحوال فيها ستبقى كما هي، فكلها بما فيها وما عليها إلي زوال ويبقى الله وحده ذو الجلال!
تذكري أنك في رحلة منعطفها الموت، ومحطتها القبر، ومستقرها الجنة أو النار!
فانظري ماذا تركبين؟!
هل تركبين مركب الطاعة والامتثال فيسوقك إلي خير مآل.
(في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر )
أم تركبين مركب المعصية والغواية، فيسوقك إلي أسوا نهاية ..
(في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم)
[فانظري أخية! ماذا ستركبين!
فالرحلة قصيرة.. ومراكبها أمامك جلية جلاء الشمس في كبد السماء الصافية!
أختاه.. كم ستعيشين في هذه الدنيا ؟ ستين سنة.. ثمانين سنة.. مائة سنة.. ألف سنة .. ثم ماذا؟! ثم موت .. ثم بعث إلي جنات النعيم أو في نار الجحيم!
تيقني حق اليقين أن ملك الموت كما تعداك إلي غيرك فهو في الطريق إليك! وأعلمي أن الحياة مهما أمتدت وطالت فإن مصيرها إلي الزوال وما هي إلا أعوام أو أيام أو لحظات فتصبحين وحيدة فريدة لا حبيبات ولا أموال ولا صاحبات.
تخيلي نفسك وقد نزل بك الموت ، وجاء الملك فجذب روحك من قدميك!
تذكري ظلمة القبر ووحدته، وضيقه ووحشته ، وهول مطلعه، وسوء مصرعه! آه له من بيت جمع الأضداد والمتفرقات.. فإما نعيم وإما حميم! لا فرق أن يدخله لئيم أو كريم ، أو رفيع أو رضيع ، أو داعية أو أبله ، أو ملك أو مملوك ، أو معسر أو موسر!
تذكري هيئة الملكين، وهما يقعدانك ويسألانك .. تذكري كيف يكون جسمك بعد الموت؟ تقطعت أوصالك، وتفتت عظامك وبلى جسدك وأصبحت قوتاً للديدان!
ثم ينفخ في الصور.. إنها صيحة العرض علي الله ، فتسمعين الصوت ، فيطير فؤادك، ويشيب رأسك ، فتخرجين مغبرة حافية عارية ، قد رجت الأرض ، وبست الجبال، وشخصت الأبصار لتلك الأهوال، وطارت الصحائف، وقلق الخائف . فكم من عجوز تقول واشيبتاه ! وكم من كبيرة تنادي واخيبتاه! وكم من شابة تصيح واشباباه.
برزت النار فأحرقت ، وزفرت النار غضبا فمزقت ، وتقطعت الأفئدة وتفرقت.. والأحداق قد سالت.. والأعناق قد مالت ، والألوان قد حالت ، والمحن قد توالت..
تذكري مذلتك في ذلك اليوم، وانفرادك بخوفك وأحزانك، وهمومك وغمومك وذنوبك، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا! قد ملئت القلوب رعبا.. وذهلت المرضعة عما أرضعت واسقطت الحامل حملها.. وتتبرئين حينها من بنيك ، وأمك وأبيك وزوجك وأخيك..
تذكري تلك المواقف والأهوال.. يوم ينسى المرء كل عزيز وحبيب..تذكري يوم توضع الموازين ، وتتطاير الصحف كم في كتابك من زلل، وكم في عملك من خلل!